[سورة يس (36) : الآيات 77 الى 83]

أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)

       I.            المفردات اللغوية:

أَوَلَمْ يَرَ أو لم يعلم.

الْإِنْسانُ أي إنسان، ويشمل من كان سبب النزول، وهو العاص بن وائل السهمي وأبي بن خلف.

 أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ أنا خلقناه من أضعف الأشياء،

 فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ الخصيم: الشديد الخصومة لنا، المبالغ في الجدل إلى أقصى الغاية،

والمبين: البيّن في نفي البعث.

وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا أي أورد في شأننا قصة غريبة هي في غرابتها كالمثل،

الرميم: البالية أي ما بلي من العظام، ولم يقل: رميمة لأنه اسم لا صفة

قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ أي فإن قدرته كما كانت، لامتناع التغير فيه، والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها.

وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ أي وهو بكل مخلوق عليم جملة وتفصيلا، قبل خلقه وبعد خلقه، يعلم تفاصيل المخلوقات وأجزاء الأشخاص المتفتتة، ومواقعها وطريق تمييزها، وضمّ بعضها إلى بعض على النمط السابق.

فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ تقدحون منه النار، وتوقدونها من ذلك الشجر، بعد أن كان أخضر.

أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ أي إن من قدر على خلق السموات والأرض، وهما في غاية العظم، يقدر على إعادة خلق البشر الذي هو صغير ضعيف

بَلى أي هو قادر على ذلك، وبلى كلمة جواب كنعم، تأتي بعد كلام منفي، وكان الجواب من الله للدلالة على أنه لا جواب سواه.

إِنَّما أَمْرُهُ شأنه في الإيجاد. إِذا أَرادَ شَيْئاً خلق شيء.

فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ.. أي تنزيه عما ضربوا له من المثل، وتعجيب مما قالوا فيه،

 مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ الملك التام والقدرة، كالرحموت والرهبوت والجبروت، زيدت الواو والتاء للمبالغة

وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تردون في الآخرة.

    II.            سبب النزول:

أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله ص بعظم حائل، ففتّه، فقال: يا محمد: أيبعث هذا بعد ما أرمّ؟ قال: نعم، يبعث الله هذا، ثم يميتك، ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنم، فنزلت الآيات: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ إلى آخر السورة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير وقتادة والسّدّي نحوه، وسمّوا الإنسان أبي بن خلف. وهذا هو الأصح كما قال أبو حيان، لما رواه ابن وهب عن مالك. وبناء عليه، قال المفسّرون: إن أبي بن خلف الجمحي جاء إلى رسول الله ص بعظم حائل، ففتته بين يديه، وقال: يا محمد، يبعث الله هذا بعد ما أرمّ؟ فقال: نعم، يبعث الله هذا، ويميتك، ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنم، فنزلت هذه الآيات.
وعلى أي حال، يقول علماء أصول الفقه: إن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما في قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها [المجادلة 58/ 1] نزلت في امرأة واحدة، وأراد الكل في الحكم، فكذلك كل إنسان ينكر الله أو الحشر، فهذه الآية ردّ عليه، فتكون الآية عامة. (المنير)

وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْكَافِرَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ إِنْ سَحَقْتُهَا وَأَذْرَيْتُهَا فِي الرِّيحِ أَيُعِيدُهَا اللَّهُ! فَنَزَلَتْ” قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ” أي من غير شي فهو قادر عي إعادتها في النشأة الثانية من شي وهو عجم الذنب. ويقال عجب الذنب بالياء (قرطبي)

 III.            المناسبة:

بعد بيان الأدلة الدّالة على قدرة الله عزّ وجلّ، ووجوب طاعته وعبادته، وبطلان الشرك به، ذكر تعالى شبهة منكري البعث، (المنير)

….. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ دَلِيلًا مِنَ الْآفَاقِ عَلَى وُجُوبِ عِبَادَتِهِ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [يس: 71] ذَكَرَ دَلِيلًا مِنَ الْأَنْفُسِ. فَقَالَ: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ (رازي)

 IV.            سؤال وجواب

  1. لما ذا المثل (في ضرب لنا مثلا) قصة غريبة

إذ (1) أنكر إحياءنا للعظام النخرة، و(2)نفى القدرة على إحياء الموتى، مقارنا ذلك بما عجز عنه، وقائسا قدرة الله على قدرة العبد. وَ(3)نَسِيَ خَلْقَهُ نسي خلقنا إياه، من المني، (المنير)

أي أن الله يسرّ لكم الانتفاع بالحطب، تحرقونه للطبخ والدفء، وقد كان أخضر رطبا، أو أن هناك شجرا يسمى المرخ، وشجرا آخر يسمى العفار، إذا قطع منهما عودان، وضرب أحدهما على الآخر، انقدحت منهما النار، وهما أخضران، وفي أمثال العرب: «في كل شيء نار، واستمجد المرخ والعفار (المنير)

مَا فِي الْمَرْخِ وَالْعَفَارِ، وَهِيَ زُنَادَةُ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ وَاسْتَمْجَدَ المر وَالْعَفَارُ «1»، فَالْعَفَارُ الزَّنْدُ وَهُوَ الْأَعْلَى، وَالْمَرْخُ الزَّنْدَةُ وَهِيَ الْأَسْفَلُ، يُؤْخَذُ مِنْهُمَا غُصْنَانِ مِثْلَ الْمِسْوَاكَيْنِ يَقْطُرَانِ مَاءً فَيَحُكُّ بَعْضُهُمَا إِلَى بَعْضٍ فَتَخْرُجُ مِنْهُمَا النَّارُ (قرطبي)

قَوْلُهُ تَعَالَى:” الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا” نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ، وَدَلَّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ إِخْرَاجِ الْمُحْرَقِ الْيَابِسِ مِنَ العود الندي الر طب. وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ قَالَ: النُّطْفَةُ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ بِطَبْعِ حَيَاةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا الْحَيَاةُ، وَالْعَظْمُ بَارِدٌ يَابِسٌ بِطَبْعِ الْمَوْتِ فَكَيْفَ تَخْرُجُ مِنْهُ الْحَيَاةُ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:” الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا” أَيْ إِنَّ الشَّجَرَ الْأَخْضَرَ مِنَ الْمَاءِ وَالْمَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ ضِدُّ النَّارِ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ، فَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهُ النَّارَ، فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى إِخْرَاجِ الضِّدِّ مِنَ الضِّدِّ، وهو على كل شي قدير.  (قرطبي)

أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ أي فهو يكون، أي يحدث، وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده من غير تأخر وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة، قطعا للشبهة في قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق،(المنير)

 ثم تراه يفاجئنا بأنه ناطق مجادل بيّن جريء في جدله، فقوله خَصِيمٌ ناطق، ومُبِينٌ إشارة إلى قوة عقله. (المنير)

وَقَوْلُهُ: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فِيهِ لَطِيفَةٌ غَرِيبَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ اخْتِلَافُ صُوَرِ أَعْضَائِهِ مَعَ تَشَابُهِ أَجْزَاءِ مَا خُلِقَ مِنْهُ آيَةٌ ظَاهِرَةٌ وَمَعَ هَذَا فَهُنَالِكَ مَا هُوَ أَظْهَرُ وَهُوَ نُطْقُهُ وَفَهْمُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّطْفَةَ جِسْمٌ، فَهَبْ أَنَّ جَاهِلًا يَقُولُ إِنَّهُ اسْتَحَالَ وَتَكُونُ جِسْمًا آخَرَ، لَكِنَّ الْقُوَّةَ النَّاطِقَةَ وَالْقُوَّةَ الْفَاهِمَةَ مِنْ أَيْنَ تَقْتَضِيهِمَا النُّطْفَةُ؟ فَإِبْدَاعُ النُّطْقِ وَالْفَهْمِ أَعْجَبُ وَأَغْرَبُ مِنْ إِبْدَاعِ الْخَلْقِ وَالْجِسْمِ وَهُوَ إِلَى إِدْرَاكِ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ مِنْهُ أَقْرَبُ فَقَوْلُهُ: خَصِيمٌ أَيْ نَاطِقٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَصِيمَ مكان الناطق لِأَنَّهُ أَعْلَى أَحْوَالِ النَّاطِقِ، فَإِنَّ النَّاطِقَ مَعَ نَفْسِهِ لَا يُبَيِّنُ كَلَامَهُ مِثْلَ مَا يُبَيِّنُهُ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ مَعَ غَيْرِهِ، وَالْمُتَكَلِّمُ مَعَ غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا لَا يُبَيِّنُ وَلَا يَجْتَهِدُ مِثْلَ مَا يَجْتَهِدُ إِذَا كَانَ كَلَامُهُ مَعَ خَصْمِهِ وَقَوْلُهُ: مُبِينٌ إِشَارَةٌ إِلَى قُوَّةِ عَقْلِهِ، وَاخْتَارَ الْإِبَانَةَ لِأَنَّ الْعَاقِلَ عِنْدَ الْإِفْهَامِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِهِ، لِأَنَّ الْمُبِينَ بَانَ عِنْدَهُ الشَّيْءُ ثُمَّ أَبَانَهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ نُطْفَةٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَدْنَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: خَصِيمٌ مُبِينٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَعْلَى مَا حَصَلَ عَلَيْهِ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً إِلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [الْمُؤْمِنُونَ: 14] فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ خَلْقِ النُّطْفَةِ عَلَقَةً وَخَلْقِ الْعَلَقَةِ مُضْغَةً وَخَلْقِ الْمُضْغَةِ عِظَامًا إِشَارَةٌ إِلَى التَّغَيُّرَاتِ فِي الْجِسْمِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ أَيْ نَاطِقٌ عَاقِلٌ. (رازي)

والمراد: أو لم يستدلّ من أنكر البعث بالبدء على الإعادة، فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء ضعيف حقير، كما قال تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ، فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ، إِلى قَدَرٍمَعْلُومٍ [المرسلات 77/ 20- 22] ، وقال سبحانه: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ [الإنسان 76/ 2] أي من نطفة من أخلاط متفرقة. فشأن هذا المخلوق أن يشكر النعمة، لا أن يطغى ويتجبر، وينكر البعث والإعادة.

فأجابه الله تعالى بقوله:

قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ أي قل أيها الرسول لهذا المشرك المنكر البعث: يحيي الله تلك العظام البالية الذي أبدع خلقها وأوجدها في المرة الأولى من غير شيء من العدم ولم يكن شيئا مذكورا، وهو لا تخفى عليه خافية من الأشياء، سواء أكانت مجموعة أم مجزأة مشتتة في أنحاء الأرض، ولا يخرج عن علمه أي شيء كائنا ما كان، ولو في أعماق الأرض أو البحر أو أجواف الإنسان أو الحيوان أو اختلط بالتراب والنبات. وقد قال العلماء: إن الذرّة لا تفنى، وتقرر نظرية (لافوازيه) المعروفة: أنه لا يوجد شيء من العدم، والموجود لا ينعدم.

ودليل ثان هو:الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً، فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أي وهو الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء، حتى صار خضرا نضرا ذا ثمر يانع، ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسا توقد به النار، ومن قدر على ذلك، فهو قادر على ما يريد، لا يمنعه شيء، فهذا التحوّل والتقلّب من عنصر الرطوبة إلى عنصر الحرارة، يدل على إمكان إعادة الرطوبة إلى ما كان يابسا باليا. والمشاهد أن شجر السّنط يوقد به النار وهو أخضر. وقيل: المراد بذلك شجر المرخ والعفار ينبت في أرض الحجاز، فيأتي من أراد قدح نار، وليس معه زناد، فيأخذ عودين أخضرين منهما، ويقدح أحدهما بالآخر، فتتولد النار من بينهما، كالزناد تماما. ومثل ذلك احتكاك السّحب المولّد لشرارة البرق.

ودليل ثالث أعجب مما سبق: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى، وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ أي إن من خلق السّموات السّبع بما فيها من الكواكب السّيارة والثّوابت، والأرضين السّبع بما فيها من جبال ورمال وبحار وقفار، وهي أعظم من خلق الإنسان، إن من خلق ذلك قادر على خلق مثل البشر وإعادة الأجسام، وهي أصغر وأضعف من السّموات والأرض، بلى هو قادر على ذلك، وهو الكثير الخلق، الواسع العلم، فقوله الْخَلَّاقُ إشارة إلى كمال القدرة، وقوله الْعَلِيمُ إشارة إلى شمول العلم.
والخلاصة: أن خلق الأشياء العظيمة برهان قاطع على خلق ما دونها، كما قال تعالى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر 40/ 57] ، وقال سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟ بَلى، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأحقاف 46/ 33] . (المنير)

وتأكيدا للبيان ونتيجة لما سبق، قال تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ أي إنما شأنه سبحانه في إيجاد الأشياء وإرادتها أن يقول للشيء: كُنْ فإذا هو كائن فورا، من غير توقّف على شيء آخر أصلا. (المنير)

  1. مناسبة قوله تعالى فَسُبْحانَ الَّذِي الخ

ومقتضى ثبوت القدرة التامة لله تعالى: تنزيهه عما وصفوه به، فقال: فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي تنزّه الله عما لا يليق به من السوء أو النقص، فهو الذي له ملكية الأشياء كلها، وله القدرة الكاملة على التّصرف فيها كما يريد، وبيده مفاتح كلّ شيء، وإليه لا إلى غيره مرجع العباد بعد البعث في الدار الآخرة، فيجازي كل إنسان بما عمل، فليعبده الناس جميعا وليوحّدوه ويطيعوه، تحقيقا لمصلحتهم. (المنير)

   V.            الدروس المستفادة :

تعجب من تكبر الإنسان على خالقه: الإنسان، الذي خُلق من ماء مهين، يتجرأ على مجادلة ربه، وهذا يعكس غروره وكبره أمام عظمة الخالق.

قدرة الله على الخلق: الله، الذي خلق السماوات والأرض، قادر على خلق الإنسان وإعادته للحياة، مما يظهر عظمة قدرته.

إخراج النار من الشجر الأخضر كدليل على قدرة الله: قدرة الله على إخراج النار من الشجر الرطب تُظهر أنه قادر على كل شيء، بما في ذلك إحياء الموتى.

العلم الحديث يؤكد أن النفط يُستخرج من أماكن كانت قديماً مليئة بالأشجار. اليوم، نستخدم النفط كوقود، مما يعني أن الشجر القديم ما زال يُستخدم كوقود بشكل غير مباشر حتى الآن.

ضعف الإنسان أمام إرادة الله: الإنسان يواجه صعوبات في تحقيق مراده، بينما الله يحقق ما يشاء بلا معاناة، مما يبرز ضعف الإنسان وقوة الله.

الله القادر المستقل: الله هو المبدع القادر، الذي لا يعتمد على شيء في خلقه أو تدبيره، فهو الواحد الأحد، القادر على كل شيء.

الإنسان في قبضة الله: الله ملكوت كل شيئ ،  وسيعود الإنسان إليه ليحاسب على أعماله.

 VI.            للاستزادة :

مراحل خلق الإنسان ونموه

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ‎﴿١٢﴾‏ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ‎﴿١٣﴾‏ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ‎﴿١٤﴾‏ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ‎﴿١٥﴾‏ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ‎﴿١٦﴾‏ – المؤمنون

·  التراب ·  النطفة·  العلقة ·  المضغة ·  العظام ·  كسوة العظام باللحم ·  الخلق الآخر

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ‎﴿٥﴾- الحج

 ·تراب  ·نطفة  ·علقة  ·مضغة  ·مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ   ·الأرحام  ·الولادة كطفل  ·بلوغ الأشد “ ·الموت  ·العودة إلى أرذل العمر يأتي بعده الموت

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [غافر: 67].

·   تراب: نطفة: ·  علقة: ·  الولادة كطفل ·  بلوغ الأشد·  الشيخوخة: ·  الموت

أنواع الخلق

واعلم أن أنواع الخلق من البشر أربعة: من غير أب وأم وهو آدم، ومن أب بلا أم حواء، ومن أم بلا أب عيسى، ومن أم وأب سائر البشر، (الحاوي)