[سورة يس (4) : الآيات 48 الى 54] |
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
I. الإعراب:
يَخِصِّمُونَ الأصل: يختصمون بوزن «يفتعلون» ، أي يخصم بعضهم بعضا.
II. البلاغة:
مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا استعارة، شبه حال موتهم بحال نومهم، أي من بعثنا من موتنا.
هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ فيه إيجاز بالحذف، أي تقول لهم الملائكة ذلك، أي وعدكم به الرحمن.
III. المفردات اللغوية:
مَتى هذَا الْوَعْدُ متى يتحقق ويجيء ما وعدتمونا به وهو وعد البعث
ما يَنْظُرُونَ ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هي نفخة إسرافيل الأولى في الصور، وهي التي يموت بها أهل الأرض جميعا
تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ أي تأخذهم الصيحة فجأة في غفلة عنها، وهم يتخاصمون في معاملاتهم ومتاجرهم وأكلهم وشربهم وغير ذلك.
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً أن يوصوا في شيء من أمورهم بما لهم وما عليهم
وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ أي لا يستطيعون الرجوع من أسواقهم وأشغالهم إلى منازلهم، بل يموتون فيها
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ أي نفخ فيه النفخة الثانية للبعث، وبين النفختين أربعون سنة
فَإِذا هُمْ المقبورون
مِنَ الْأَجْداثِ القبور
إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يخرجون بسرعة، أو يسرعون.
قالُوا أي الكفار منهم
مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟ من أخرجنا من موتنا، لأنهم بسبب ما رأوا من الهول، وما داهمهم من الفزع، ظنوا أنهم كانوا نياما
هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ أي هذا البعث الذي وعد به الرحمن
وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ أي وصدق فيه الأنبياء المرسلون، والمعنى: رجعوا إلى أنفسهم، فاعترفوا أنهم كانوا في الموت وبعثوا، وأقروا بصدق الرسل يوم لا ينفع التصديق أو الإقرار.
إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً، فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ أي ما كانت الفعلة إلا النفخة الأخيرة التي نفخها إسرافيل في الصور، فإذا هم مجموعون عندنا بسرعة بمجرد تلك الصيحة للحساب والجزاء والعقاب. قال البيضاوي: وفي كل ذلك تهوين أمر البعث والحشر، واستغناؤهما عن الأسباب المألوفة في الدنيا. وتنكير صَيْحَةً للتكثير.
فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي يقال لهم ذلك، تصويرا للموعود، وتمكينا له في النفوس.
IV. المناسبة:
بعد بيان إعراض الكفار عن التقوى، وامتناعهم من الإنفاق، أبان الله تعالى سبب ذلك وهو إنكارهم للبعث، واستعجالهم له، استهزاء به،
V. سؤال وجواب:
- لما قال الكافرون مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟
أي ويقول المشركون استعجالا للبعث استهزاء وسخرية وتهكما بالمؤمنين: متى يأتي هذا الوعد بالبعث الذي وعدتمونا به، وتهددونا به، إن كنتم صادقين فيما تقولون وتعدون؟! ، كما قال تعالى: فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف 7/ 95] وقال سبحانه: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الزخرف 43/ 66] . (المنير)
- ما المراد بـالصيحة في :مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً
وقال عكرمة في قوله – جل وعز – : إلا صيحة واحدة قال : هي النفخة الأولى في الصور (قرطبي) ، وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ص: «لتقومنّ الساعة، وقد نشر الرجلان ثوبهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة، والرجل يليط «1» حوضه، فلا يسقي منه، ولتقومنّ الساعة، وقد انصرف الرجل بلبن لقحته (نعجته) ، فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه (فمه) ، فلا يطعمها» .
- بيان سرعة وفجأة يوم القيمة
فقال:فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ أي لا يستطيع بعضهم أن يوصي إلى بعض بما له من أملاك وما عليه من ديون، بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم، ولا يتمكنون من الرجوع إلى منازلهم التي كانوا خارجين عنها. (المنير)
- النفخة الثانية وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ
قَوْلُهُ تَعَالَى:” وَنُفِخَ فِي الصُّورِ” هَذِهِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ لِلنَّشْأَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ” النَّمْلِ” «3» أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ لَا ثَلَاثٌ. وَهَذِهِ الآية دالء على ذلك (قرطبي)
فإذا جميع المخلوقين يخرجون من القبور، يسرعون المشي إلى لقاء ربهم للحساب والجزاء، كما قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً، كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج 70/ 43] . (المنير)
- هل هذا ينفي قبر العذاب؟بين الهول بعد البعث
قالُوا: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا أي قال المبعوثون: يا هلاكنا من الذي بعثنا من قبورنا بعد موتنا؟ وهي قبورهم التي كانوا يعتقدون في دار الدنيا أنهم لا يبعثون منها، وظنوا لما شاهدوا من الأهوال وما استبد بهم من الفزع، أنهم كانوا نياما. وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم، لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد.( المنير)
- من قال :هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا لَهُمْ:” هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ”. وَقِيلَ: إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:” مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا” صَدَّقُوا الرُّسُلَ لَمَّا عَايَنُوا مَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ، ثُمَّ قَالُوا” هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ” فَكَذَّبْنَا بِهِ، أَقَرُّوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْإِقْرَارُ. (قرطبي)
- بين القضاء العادل عند الله
وأردف بعدئذ ما يكون في ذلك من القضاء العادل، فقال تعالى:
فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي في يوم القيامة لا تبخس نفس شيئا من عملها مهما قلّ، ولا توفون إلا ما عملتم من خير أو شر. (المنير)
VI. الدروس المستفادة:
- الساعة لا تأتي إلا بغتة – أهمية الاستعداد للقاء الله في أي وقت – عدم القدرة التوبة
- ضرورة الرد علي تشكيك المشككين
- خطورة الجدال وأهمية قبول قول الله ورسوله بدون جدل
- أسهل وأهم شيئ يستطيع الإنسان عمله قبيل وفاته هو التوصية
- النفختان في الصور – النفخة الأولى للموت والفزع والنفخة الثانية للبعث والنشور،
- ندامة الكافرين يوم القيمة
- المؤمن يفرح بصدق وعد الله يوم القيمة
- العدل الإلهي – سنحاسب على كل صغيرة وكبيرة.
VII. للاستزادة :
أول من يبعث: ” أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ ” (ابن ماجة)
كيفية البعث:إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً (البخاري ومسلم)
خروج الناس إلى المحشر: (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ – خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [المعارج: 43-44]
الشفاعة العظمى : عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لكل نبي دعوة دعا بها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ” (صحيح مسلم)
الحوض : “ حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبدا (مسلم)
نشر الدواوين وقراءة الكتاب: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ [التكوير: 10] فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (الحاقة)
الحساب: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ (ترمذي) .
الميزان : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء /47
الصراط : ثمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ “، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ (زَلقٌ تَزِلُّ فيه الأقدامُ) ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ( الحديدة المعوجة كالكلوب) وَكَلاَلِيبُ (حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم.) ، وَحَسَكَةٌ شَوكةٌ صُلبةٌ مَعروفةٌ، مُفَلْطَحَةٌ (عريضة) لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ (المنعطفة) ، تَكُونُ بِنَجْدٍ ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا .(بخاري ومسلم ) زاد مسلم: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: (بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ).
القنطرة : إذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ ، حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا ، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ: أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا .(بخاري)