4 الدرس الرابع : أدلة القدرة الإلهية على البعث وغيره |
[سورة يس (36) : الآيات 33 الى 40] |
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
I. البلاغة:
وفي قوله نَسْلَخُ استعارة تصريحية، صرح فيها بلفظ المشبه به، حيث شبه إظهار ضوء النهار من ظلمة الليل بسلخ الجلد عن الشاة، واستعار كلمة «السلخ» للإزالة والإخراج.
حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ تشبيه مرسل مجمل لأنه لم يذكر فيه وجه الشبه، وهو مشتمل على ثلاثة أوضاع: الدقة، والانحناء، والصفرة.
II. المفردات اللغوية:
وَآيَةٌ لَهُمُ علامة دالة على البعث.
وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ قيل: ما: نافية أي لم تعمل الأيدي الثمر بل العامل له هو الله، والأصح: أنها اسم موصول عطف على الثمر، والمراد: ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما.
أَفَلا يَشْكُرُونَ أنعم الله تعالى عليهم وهو أمر بالشكر، من طريق إنكار تركه.
سُبْحانَ تنزيها لله عما لا يليق به.
وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ أي وخلق الأزواج من أنفسهم، وهم الذكور والإناث من بني آدم.
وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ من أصناف المخلوقات العجيبة في البرّ والبحر، والسماء والأرض، مما لم يطلعهم الله عليه، ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته.
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ نفصل منه النهار ونزيله عنه، والسلخ: إذهاب الضوء، ومجيء الظلمة.
فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ داخلون في الظلام مفاجأة وبغتة.
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها – آية مستقلة أخرى، تطلع وتسير لحد معين ينتهي إليه جريانها ودورها.
ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أي ذلك الجري تقدير الغالب بقدرته على كل مقدور، الْعَلِيمِ المحيط علمه بكل معلوم.
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها لا يصح لها ويسهل.
أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ في سرعة سيره، فتجتمع معه في الليل، لأن لكل واحد منهما مدارا منفردا، فلا يتمكن أحدهما من الدخول على الآخر، وإن كانت في نظر العين تسبق الشمس القمر في كل شهر مرة.
وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أي لا يأتي قبل انقضائه، ولا يسبقه، ولكن يأتي عقبه، ويجيء كل واحد منهما في وقته، ولا يسبق صاحبه. وَكُلٌّ التنوين عوض عن المضاف إليه، أي وكل من الشمس والقمر وبقية الكواكب والنجوم.
فِي فَلَكٍ هو المدار الذي يدور فيه الكوكب، سمي به لاستدارته كفلكة المغزل. يَسْبَحُونَ يسيرون فيه بسهولة، وقد نزّلوا منزلة العقلاء.
III. المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى ما يدل على الحشر بإحضار جميع الأمم إليه يوم القيامة للحساب والجزاء، ذكر ما يدل على إمكان البعث بإنبات النبات من الأرض الجدباء بالمطر، وإيجاد البساتين وتفجير الأنهار، لتوفير سبل المعاش بها، مما يستدعي شكرهم على تلك النعم.وبعد بيان أحوال الأرض التي هي المكان الكلي، ذكر أربع آيات دالة على قدرته العظيمة من أحوال الأزمنة، وهي تعاقب الليل والنهار، ودوران الشمس، ومسير القمر في منازله، وتخصيص مدار مستقل لكل من الشمس والقمر.
ثم أردف ذلك بدليل آخر دال على القدرة المقترنة بالرحمة وهو تنقل الأولاد والأجيال في السفن ال عابرة مياه البحار. (المنير)
IV. سؤال وجواب
- ما هي رسالة قوله تعالى “وآية لهم الأرض”
وكما نحيي الأرض الميتة نحيي الموتى.
- لما ذا خصص الله الآية بـ “لهم” في وآية لهم الأرض
: الْأَرْضُ آيَةٌ مُطْلَقًا فَلِمَ خَصَّصَهَا بِهِمْ حَيْثُ قَالَ: وَآيَةٌ لَهُمُ نَقُولُ: الْآيَةُ تُعَدَّدُ وَتُسْرَدُ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّيْءَ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ الشَّيْءَ بِطَرِيقِ الرُّؤْيَةِ لَا يُذْكَرُ لَهُ دَلِيلٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ وَعِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ عَرَفُوا اللَّهَ قَبْلَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَلَيْسَتِ الْأَرْضُ مُعَرَّفَةً لَهُمْ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فُصِّلَتْ: 53] وَقَالَ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فُصِّلَتْ: 53] يَعْنِي أَنْتَ كَفَاكَ رَبُّكَ مُعَرِّفًا، بِهِ عَرَفْتَ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ شَهِيدٌ لَكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ تَبَيَّنَ لهم الحق بالآفاق والأنفس، وكذلك هاهنا آيَةٌ لَهُمْ. (رازي)
- كيف يتم إحياء الأرض الميتة؟
- بإنزال الماء عليها،
- وجعلها تموج وتهتز بالنبات المختلف الألوان والأشكال،
- وإخراج الحب الذي هو رزق للعباد ولأنعامهم، وهو معظم ما يؤكل، وأكثر ما تقوم به الحياة والمعاش.
- لما ذا قال الله النخيل ولم يقل “التمور” وقال الأعناب ولم يقل “الكرم”
وذكرُ النَّخيلِ دُون التُّمور ليطابقَ الحبَّ والأعنابَ لاختصاص شجرها بمزيدِ النَّفعِ وآثار الصُّنعِ (أبو السعود)
وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَرْمَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِنَبَ شَجَرَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَمَرَتِهِ حَقِيرَةٌ قَلِيلَةُ الْفَائِدَةِ وَالنَّخْلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَمَرَتِهِ عَظِيمَةٌ جَلِيلَةُ الْقَدْرِ كَثِيرَةُ الْجَدْوَى،(رازي)
- مناسبة قوله “سبحان الذي الخ”
نَزَّهَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ عَنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ، إِذْ عَبَدُوا غَيْرَهُ مَعَ مَا رَأَوْهُ مِنْ نِعَمِهِ وَآثَارِ قُدْرَتِهِ. وَفِيهِ تَقْدِيرُ الْأَمْرِ، أَيْ سَبِّحُوهُ وَنَزِّهُوهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ. وَقِيلَ: فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ، أَيْ عَجَبًا لِهَؤُلَاءِ فِي كُفْرِهِمْ مَعَ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَمَنْ تعجب من شي قَالَ: سُبْحَانَ اللَّه.(القرطبي)
- معنى والشمس تجري لمستقر لها
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:” وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها” قَالَ:” مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ”. وَفِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا: (أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ) قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:” إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَتَدْرُونَ مَتَى ذَلِكُمْ ذَاكَ حِينَ” لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً” [الأنعام: 158] (قرطبي)
- مناسبة “وآية لهم الليل”
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ بيان لقدرته تعالى في الزمان، إثر ما بيّنها في المكان، أي نزيله ونكشفه عن مكانه (محاسن التأويل)
- معنى “كالعرجون القديم”
وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ أي صيرنا له منازل ينزل كل ليلة في واحد منها حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ أي حتى إذا كان في آخر منازله، دق واستقوس وصار كالعذق المقوس اليابس، إذا حال عليه الحول. فالعرجون هو الشمروخ.، وهو العنقود الذي عليه الرطب، ويسمى العذق، بكسر العين. والقديم: العتيق، وإذا قدم دق وانحنى واصفرّ. فشبه به من ثلاثة أوجه. (محاسن التأويل)
- لما ذا خصص النخيل والأعناب ؟
مَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: خَصَّصَ النَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ بِالذِّكْرِ مِنْ سَائِرِ الْفَوَاكِهِ لِأَنَّ أَلَذَّ الْمَطْعُومِ الْحَلَاوَةُ، وَهِيَ فِيهَا أَتَمُّ وَلِأَنَّ التَّمْرَ وَالْعِنَبَ قُوتٌ وَفَاكِهَةٌ، وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُمَا وَلِأَنَّهُمَا أَعَمُّ نَفْعًا فَإِنَّهَا تُحْمَلُ مِنَ الْبِلَادِ إِلَى الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ،(رازي)
ولما كان النخل- مع ما فيه من النفع- زينة دائمًا بكونه لا يسقط ورقه، قدمه وسماه باسمه فقال: {من نخيل} وفيه أيضًا إشارة إلى أنه نفع كله خشبه وليفه وشعبه وخوصه وعراجينه وثمره طلعًا وجمارًا وبسرًا ورطبًا وتمرًا، ولذلك- والله أعلم- أتى فيه بصيغة جمع الكثرة كالعيون، ولما كان الكرم لا تكون له زينة بأوراق تجن إلا ما كان العنب قائمًا قال: {وأعناب} ودل بالجمع فيهما دون الحب على كثرة اختلاف الأصناف في النوع الواحد الموجب للتفاوت الظاهر في القدر والطعم وغير ذلك. (الحاوي)
- معنى وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ
” وما عملته أيديهم ” : ما في موضع خفض على العطف على ” من ثمره ” أي : ومما عملته أيديهم …..ويجوز أن تكون ” ما ” نافية لا موضع لها ، فلا تحتاج إلى صلة ولا راجع .أي : ولم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله لهم . وهذا قول ابن عباس والضحاك ومقاتل . وقال غيرهم : المعنى : ومن الذي عملته أيديهم ، أي : من الثمار ، ومن أصناف الحلاوات والأطعمة ، ومما اتخذوا من الحبوب بعلاج كالخبز والدهن المستخرج من السمسم والزيتون . . (قرطبي)
- المناسبة في قوله “أفلا يشكرون” و”سبحان الذي”
أَفَلا يَشْكُرُونَ أي إن القصد من إنشاء الحب والجنات أن يأكل المخلوقون من ثمر المذكور من النخيل والأعناب، وما ذاك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم، لا بقدرتهم وقوتهم، فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى؟! وهذا أمر بالشكر من طريق إنكار تركه.
سُبْحانَ الَّذِي : ولما أمرهم تعالى بالشكر، وشكر الله بالعبادة، نبّه إلى أنهم لم يقتنعوا بالترك، بل عبدوا غيره، وأتوا بالشرك، فقال: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ
- أدلة بأحوال الأمكنة والأزمنة
وبعد الاستدلال على إمكان البعث والحشر بأحوال الأرض المكانية، ذكر تعالى أدلة أربعة من أحوال الأزمنة، فقال:
- وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ،
- وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها
- وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
- لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهار
- أحد الأدلة على دوران الأرض حول محورها
- وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ومن أدلة قدرته تعالى العظيمة: خلق الليل والنهار، وتعاقب الليل والنهار دائبين، نتيجة لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق، فتشرق الشمس على نصف الكرة الأرضية، وتغيب عن النصف الآخر
- لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
- معنى ” لمستقر لها”
وهناك قولان للمفسرين في تفسير المستقر: الأول- أن المراد مستقرها المكاني وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي وجميع المخلوقات تحت العرش. والثاني- أن المراد مستقرها الزماني وهو منتهى سيرها، وهو يوم القيامة «1» . تفسير ابن كثير: 3/ 571 وما بعدها (نقلا عن التفسير المنير)
- معنى والقمر قدرناه منازل
وعلماء الفلك قسموا النجوم التي تقع حول مدار القمر ثمانيا وعشرين مجموعة تسمى منازل القمر. وقد كان العرب يعرفون بها الأنواء (أي الأمطار) ، ويقيسون بالنسبة إليها مواقع الكواكب السيارة ومنها الشمس.
- معنى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
أي لا يصح ولا يسهل لكل من الشمس والقمر أن يدرك أحدهما الآخر، لأن لكل منهما مدارا مستقلا، لا يجتمع مع الآخر فيه، ولأن الشمس تسير مقدار درجة في اليوم، والقمر يسير مقدار (13) درجة في اليوم.
ولا تسبق آية الليل وهي القمر آية النهار وهي الشمس، لأن لكل منهما مجالا وسلطانا، فسلطان الشمس ومجالها بالنهار، وسلطان القمر بالليل.
وكل من الشمس والقمر والأرض يسبح ويدور في فلكه في السماء، كما يسبح السمك في الماء، فالشمس تسير في مدار لها نصف قطره (93) مليون ميل، وتتم دورتها في سنة، والقمر يدور حول الأرض كل شهر في مدار نصف قطره (24) ألف ميل، والأرض تدور حول الشمس في سنة، وحول نفسها في يوم وليلة.
وهذا دليل على أن الله جعل لكل من الشمس والقمر والأرض مدارا مستقلا يدور فيه، فلا يحجب أحدهما ضوء الآخر إلا نادرا حينما يحدث كسوف الشمس أو خسوف القمر.
- وفجرنا فيها من العيون
{وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العيون} آية عظيمة لأن الأرض أجزاؤها بحكم العادة لا تصعد ونحن نرى منابع الأنهار والعيون في المواضع المرتفعة وذلك دليل القدرة والاختيار(رازي)
V. الدروس المستفادة:
- قدرة الله تعالى على إحياء الأرض الميتة تذكرنا إحياء الموتي يوم القيمة
- أهمية الشكر لله على نعمة الطعام (الحب والنخيل والأعناب ) والشراب (العيون)
- أهمية الحفاظ على البيئة وعدم تلوثها لأنها نعمة من الله والله سخر الأرض وما فيها للاستفادة من ثرواتها فلا يجوز العبث بها
- إن الله نظم حركة الشمس والقمر بدقة عالية وكل شيئ يسير حسب نظام محدد – إشارة إلى أنه لا يحدث كل هذا تلقائيا إنما هو فعل القادر المختار
- التدبر في عجائب خلق الله عبادة عظيمة لا بد من إحيائها
- نجد في القرآن إشارة إلى حقائق علمية أثبتتها الاكتشافات الحديثة – (كروية الأرض ، دوران الأرض على الشمس ، نهاية العالم )
- أهمية الحفاظ على الأوقات – الليل والنهار والشمس والقمر
VI. للاستزادة :
أهمية التفكر في خلق الله : ولقد وردت مادة فَكَّرَ: بمعنى أعمل عقله في القرآن الكريم ثماني عشرة مرة، في ثماني عشرة سورة بصيغ «فكر» و«يتفكرون» و«تتفكرون» و«أو لم يتفكروا» و«ثم تتفكروا
المؤمن _(1) يذكر الله و(2) يتفكر في خلق الله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
آداب الطعام: – أكرموا الخبز فإن الله تبارك وتعالى أنزله من بركات السماء وسخر له بركات الأرض ومن يتبع ما سقط من السفرة غفر له”.رواه البزار والطبراني
فضل ذكر سبحان الله: – وعن ابن مسْعُودٍ قال: قال رسُول اللَّه ﷺ لَقِيتُ إبراهيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحمَّدُ أقرِيءْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلام، وأَخبِرْهُمْ أنَّ الجنَّةَ طَيِّبةُ التُّرُبةِ، عذْبةُ الماءِ، وأنَّها قِيعانٌ وأنَّ غِرَاسَها: سُبْحانَ اللَّه، والحمْدُ للَّه، وَلاَ إلهَ إلاَّ اللَّه واللَّه أكْبَرُ. رواه الترمذي