[سورة يس (36) : الآيات 55 الى 64] |
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
I. المفردات اللغوية:
فِي شُغُلٍ الشغل: والمراد به هنا: أنهم مشغولون بما هم فيه من اللذات، بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يشتغلون بذلك عن الاهتمام بأمر أهل النار. وهو شغل متعة، لا شغل تعب، لأن الجنة لا نصب فيها.
فاكِهُونَ متنعمون متلذذون.
. الْأَرائِكِ جمع أريكة: وهو السرير المزيّن في قبة أو بيت، أو الفراش، فالأرائك:
الأسرّة التي في الحجال. يَدَّعُونَ أي يتمنون ويشتهون.
وَامْتازُوا تميزوا وانفردوا عن المؤمنين عند اختلاطهم بهم، أي ويقال للمجرمين: اعتزلوا في الآخرة عن الصالحين
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ أوصي وآمر على لسان رسلي، والعهد: الوصية، وهذا من جملة ما يقال لهم تقريعا وإلزاما للحجة.
أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ عداوة الشيطان وإضلاله لكم.
هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ بها في الدنيا على ألسنة الرسل.
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ادخلوها وقاسوا حرها بسبب كفركم بالله في الدنيا، وطاعتكم للشيطان، وعبادتكم للأوثان.
II. المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى حدوث البعث لا شك فيه، وما يكون في يوم القيامة من الجزاء العادل، بيّن هنا ما أعده للمحسنين، ثم أعقبه في الآيات التالية بما أعده للمسيئين، ترغيبا في العمل الصالح، وترهيبا من سوء الأعمال.
III. التفسير والبيان:
- معنى في شغل فاكهون
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ أي إن المؤمنين الصالحين إذا نزلوا في روضات الجنات يوم القيامة، كانوا في شغل عن غيرهم، بما يتمتعون به من اللذات، والنعيم المقيم، والفوز العظيم، بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
- مناسبة قوله ” هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ”
وليس التمتع وحدهم وإنما هم في أنس وسرور مع زواجهم، فقال تعالى:
هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ، عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ أي إنهم وحلائلهم في الجنة في ظلال الأشجار التي لا تصيبها الشمس، لأنه لا شمس فيها، وهم فيها متكئون على السرر المستورة بالخيام والحجال (المظلة الساترة)
- معنى الأزواج في قوله هُمْ وَأَزْواجُهُمْ
وَالْأَزْوَاجُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَشْكَالُهُمْ فِي الْإِحْسَانِ وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص: 58] ، وَثَانِيهِمَا: الْأَزْوَاجُ هُمُ الْمَفْهُومُونَ مِنْ زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجَةِ الرَّجُلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [الْمَعَارِجِ: 30] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَذَرُونَ أَزْواجاً [الْبَقَرَةِ: 234] فَإِنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ هُوَ الْأَشْكَالَ (رازي)
- الزوج في الجنة والزوجة في النار أو العكس
ثُمَّ بَيَّنَ الْكَمَالَ بِقَوْلِهِ: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَكُونُ فِي لَذَّةٍ قَدْ تَتَنَغَّصُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَفَكُّرِهِ فِي حَالِ مَنْ يُهِمُّهُ أَمْرُهُ فَقَالَ: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ أَيْضًا فَلَا يَبْقَى لَهُمْ تَعَلُّقُ قَلْبٍ، وَأَمَّا مَنْ فِي النَّارِ مِنْ أَقَارِبِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ فَيَكُونُونَ هُمْ عَنْهُمْ فِي شُغُلٍ، وَلَا يَكُونُ مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ أَلَمٌ وَلَا يَشْتَهُونَ حُضُورَهُمْ (رازي)
- الإشارات في قوله هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ الخ
فَقَالَ تَعَالَى: فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي تَعَبٍ
وَقَالَ: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ إِشَارَةً إِلَى عَدَمِ الْوَحْدَةِ الموحشة
وقال: فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ إِشَارَةً إِلَى الْمَكَانِ
وَقَالَ: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ إِشَارَةً إِلَى دَفْعِ جَمِيعِ حوائجهم
وقوله: مُتَّكِؤُنَ إِشَارَةٌ إِلَى أَدَلِّ وَضْعٍ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْفَرَاغَةِ فإن القائم قد يقوم لشغل والقائد قَدْ يَقْعُدُ لَهُمْ. وَأَمَّا الْمُتَّكِئُ فَلَا يَتَّكِئُ إِلَّا عِنْدَ الْفَرَاغِ وَالْقُدْرَةِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاتِّكَاءِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا (رازي)
- معنى ولهم ما يدعون
وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ فيه وجوه: أحدها: لهم فيها مَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ أَيْ دُعَاؤُهُمْ مُسْتَجَابٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا افْتِعَالًا بِمَعْنَى الْفِعْلِ كَالِاحْتِمَالِ بِمَعْنَى الْحَمْلِ وَالِارْتِحَالِ بِمَعْنَى الرَّحِيلِ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ دُعَاءً فَيُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ بَعْدَ الطَّلَبِ بَلْ مَعْنَاهُ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ أَيْ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى الدُّعَاءِ وَالطَّلَبِ (رازي)……………….. أَوْ نَقُولُ الْمُرَادُ الطَّلَبُ وَالْإِجَابَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَبَ مِنَ اللَّهِ أَيْضًا فِيهِ لَذَّةٌ فَلَوْ قَطَعَ اللَّهُ الْأَسْبَابَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لَمَا كَانَ يَطِيبُ لَهُمْ فَأَبْقَى أَشْيَاءَ يُعْطِيهِمْ إِيَّاهَا عِنْدَ الطَّلَبِ لِيَكُونَ لَهُمْ عِنْدَ الطَّلَبِ لَذَّةٌ وَعِنْدَ الْعَطَاءِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْمَمْلُوكِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يُخَاطِبَ الْمَلِكَ فِي حَوَائِجِهِ مَنْصِبٌ عَظِيمٌ (رازي)
- تفسير سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ
هُوَ أَكْمَلُ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ آخِرُهَا الَّذِي لَا شَيْءَ فَوْقَهُ وَالسَّلَامُ بِمَعْنَى السَّالِمِ الْخَالِصِ أَوِ السليم يقال عبد السلام أَيْ سَلِيمٌ مِنَ الْعُيُوبِ (رازي)
- وامتازوا اليوم
وَوَجْهُ التَّرْتِيبِ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُجْرِمَ يَرَى مَنْزِلَةَ الْمُؤْمِنِ وَرِفْعَتَهُ وَنُزُولَ دَرَكِتِهِ وَضَعَتَهُ فَيَتَحَسَّرُ فَيُقَالُ لَهُمْ امتازوا الْيَوْمَ إِذْ لَا دَوَاءَ لِأَلَمِكُمْ وَلَا شِفَاءَ لِسَقَمِكُمْ الثَّانِي: امْتَازُوا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ مُشَاهِدِينَ لِمَا يَصِلُ إِلَى الْمُؤْمِنِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْإِكْرَامِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ تَفَرَّقُوا وَادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ مِنَ النَّارِ فَلَمْ يَبْقَ لَكُمُ اجْتِمَاعٌ بِهِمْ أَبَدًا الثَّالِثُ: امْتَازُوا بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى خِلَافِ مَا لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ بِالْإِخْوَانِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ [يس:56] فَأَهْلُ النَّارِ يَكُونُ لَهُمُ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ وَعَذَابُ الْفُرْقَةِ أَيْضًا وَلَا عَذَابَ فَوْقَ الْفُرْقَةِ (رازي)
- مناسبة :ألم أعهد إليكم
لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجْرِمِينَ كَانَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، وَالْجَهْلُ مِنَ الْأَعْذَارِ، فَقَالَ اللَّهُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْذَارِ، وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُ السُّبُلِ بِإِيضَاحِ الرُّسُلِ(رازي)
- كيفية عبادة الشيطان
فَإِنْ قِيلَ بِمَاذَا تَعْلَمُ طَاعَةَ الشَّيْطَانِ مِنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ، مَعَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ مِنَ الشَّيْطَانِ خَبَرًا وَلَا نَرَى مِنْهُ أَثَرًا؟ نَقُولُ عِبَادَةُ الشَّيْطَانِ فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ أَوِ الْإِتْيَانِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ لَا لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ، فَفِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَكُونُ الشَّيْطَانُ يَأْمُرُكَ وَهُوَ فِي غَيْرِكَ، وَفِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَأْمُرُكَ وَهُوَ فِيكَ، فَإِذَا جَاءَكَ شَخْصٌ يَأْمُرُكَ بِشَيْءٍ، فَانْظُرْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ لَيْسَ مُوَافِقًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا فذلك الشخص معه الشَّيْطَانِ يَأْمُرُكَ بِمَا يَأْمُرُكَ بِهِ، فَإِنْ أَطَعْتَهُ فَقَدْ عَبَدْتَ الشَّيْطَانَ، وَإِنْ دَعَتْكَ نَفْسُكَ إِلَى فِعْلٍ فَانْظُرْ أَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِيهِ فَنَفْسُكَ هِيَ الشَّيْطَانُ، أَوْ مَعَهَا الشَّيْطَانُ يَدْعُوكَ، فَإِنِ اتَّبَعْتَهُ فَقَدْ عَبَدْتَهُ (رازي)
- مناسبة وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ
لَمَّا مَنَعَ عِبَادَةَ الشَّيْطَانِ حَمَلَ عَلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ وَالشَّارِعُ طَبِيبُ الْأَرْوَاحِ كَمَا أَنَّ الطَّبِيبَ طَبِيبُ الْأَشْبَاحِ، وَكَمَا أَنَّ الطَّبِيبَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ لَا تَفْعَلْ كَذَا وَلَا تَأْكُلْ مِنْ ذَا وَهِيَ الْحِمْيَةُ الَّتِي هِيَ رَأْسُ الدَّوَاءِ لِئَلَّا يَزِيدَ مَرَضُهُ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ تَنَاوُلِ الدَّوَاءَ الْفُلَانِيَّ تَقْوِيَةً لقوته المقاومة للمرض، كذلك الشارع منع من الْمُفْسِدَ وَهُوَ اتِّبَاعُ الشَّيْطَانِ وَحَمَلَ عَلَى الْمُصْلِحِ وَهُوَ عِبَادَةُ الرَّحْمَنِ (رازي)
- كيفية إضلال الشيطان
كَيْفَ الْإِضْلَالُ؟ نَقُولُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِضْلَالَ تَوْلِيَةٌ عَنِ الْمَقْصِدِ وَصَدٌّ عَنْهُ فَالشَّيْطَانُ يَأْمُرُ الْبَعْضَ بِتَرْكِ عِبَادَةِ اللَّهِ وَبِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ تَوْلِيَةٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَأْمُرُهُ بعبادة الله لأمر غير الله من رئاسة وَجَاهٍ وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ صَدٌّ، وَهُوَ يُفْضِي إِلَى التَّوْلِيَةِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ لَوْ حَصَلَ لَتَرَكَ اللَّهَ وَأَقْبَلَ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَتَحْصُلُ التَّوْلِيَةُ (رازي)
- ثلاث تنبيهات في اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَا يُوجِبُ شِدَّةَ نَدَامَتِهِمْ وَحَسْرَتِهِمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: اصْلَوْهَا فَإِنَّهُ أَمْرُ تَنْكِيلٍ وَإِهَانَةٍ كَقَوْلِهِ: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدُّخَانِ: 49] ، وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: الْيَوْمَ يَعْنِي الْعَذَابُ حَاضِرٌ وَلَذَّاتُكَ قَدْ مَضَتْ وَأَيَّامُهَا قَدِ انْقَضَتْ وَبَقِيَ الْيَوْمَ الْعَذَابُ الثَّالِثُ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ فَإِنَّ الْكُفْرَ وَالْكُفْرَانَ يُنْبِئُ عَنْ نِعْمَةٍ كَانَتْ يُكْفَرُ بِهَا وَحَيَاءُ الْكَفُورِ مِنَ الْمُنْعِمِ مِنْ أَشَدِّ الْآلَامِ. وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يَقُولُ الْعَبْدُ الْمُجْرِمُ افْعَلُوا بِي مَا يَأْمُرُ بِهِ السَّيِّدُ وَلَا تُحْضِرُونِي بَيْنَ يَدَيْه(رازي)
IV. الدروس المستفادة :
- اشتغل الصالحون في الدنيا بمجاهدة النفس وشغلهم في الآخرة في لذات النعيم
- الشغل في الدنيا تعب وفي الآخرة تمتع
- التسامر مع الزوج من أفضل أنواع السعادة والتمتع
- قليلا ما تدرك ما تتمناه في الدنيا والجنة فيها كل ما تتمناه
- السلام أي الأمان من كل مكروه من أعظم النعم التي ينعم الله بها لعباده
- لا يمكن للمجرم أن يتسلل إلى زمرة المتقين في الآخرة دون أن يعلم الله بذلك، فالله تعالى عليم بكل شيء.
- لا يجتمع في عبد طاعة الشيطان وطاعة الله ، وأنت في خيار إما أن تكون عبدا للرحمن أو عبدا للشيطان!
- الذي عنده ذرة عقل لا يقبل على الشيطان بالطاعة بل يتخذه عدوا
- الجهنم الذي قابله الكافرون بالسخرية الآن أمام أعينكم … فادخلوها!
V. الاستزادة : (الجنة والنار)
الخلود في الجنة أو في النار : يُؤْتَى بالموتِ (وفي مسلم كَأنَّهُ كَبْشٌ أمْلَحُ ) يومَ القيامةِ ، فيُوقَفُ على الصراطِ ، فيقالُ : يا أهلَ الجنةِ ! فيَطَّلِعُونَ خائفينَ وَجِلِينَ أن يخرجوا من مكانِهِم الذي هم فيه ، ثم يقالُ : يا أهلَ النارِ ! فيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ ، أن يخرجوا من مكانِهم الذي هم فيه ، فيقالُ : هل تعرفونَ هذا ؟ فيقولونَ : نعم ، هذا الموتُ ، فيُؤْمَرُ به فيُذْبَحُ على الصراطِ ، ثم يقالُ للفريقينِ كلاهما : خلودٌ فيما تَجِدُونَ ، لا مَوْتَ فيها أبدًا- ابن ماجه
جنات: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى” (محمد: 15).
طول الإنسان في الجنة:يدخل أهل الجنة الجنة على صورة آدم، طولهم ستون ذراعًا، على صورة أبيهم آدم” (رواه البخاري ومسلم).
قلب صاف: “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ” (الحجر: 47).
عمر أهل الجنة: “يدخل أهل الجنة الجنة جردًا مردًا مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين” (رواه الترمذي وأحمد).
الحور العين: “وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ” (الدخان: 54). “فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ” (الرحمن: 56). “لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحًا” (رواه البخاري).
النعيم والفاكهة:”فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ” (الرحمن: 68).”فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
لباس أهل الجنة : يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ” (الدخان: 51-53).
الظل والراحة:”إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ” (المرسلات: 41).”مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا” (الإنسان: 13).
ما لا عين رأت : “قال الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر” (رواه البخاري ومسلم).
نعيم لا ينفد:”إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ” (ص: 54).
قصور الجنة: “في الجنة غرف يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها” (رواه البخاري).
طعام الجنة : يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ”
أدنى أهل الجنة منزلة:عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ” (رواه مسلم).
اللقاء مع الله : “إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ” (رواه مسلم).
شدة عذاب النار:”إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ۖ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ” (النساء: 56). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ” (رواه البخاري).
طعام أهل النار وشرابهم: “لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ” (الغاشية: 6).”إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ” (الدخان: 43-46)”وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ” (محمد: 15).
الافتداء “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)
أدنى عذاب أهل النار:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ” (رواه مسلم).
شدة نار جهنم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَإِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا” (رواه البخاري ومسلم).
أهل النار: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تَحَاجَّتِ الجنة والنار، فقالت النار: فيَّ الجبَّارون والمتكبِّرون، وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء الناس ومساكينهم. فقضى الله بينهما: إنكِ الجنة رحمتي، أرحم بكِ من أشاء من عبادي، وإنكِ النار عذابي، أعذب بكِ من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها” (رواه مسلم).