سورة يس (36) : الآيات 64 الى 70] |
(64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) مَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴿٦٩﴾ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٧٠﴾
I. المناسبة:
فِي التَّرْتِيبِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ حِينَ يَسْمَعُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى: بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [يس: 64] يُرِيدُونَ [أَنْ] يُنْكِرُوا كُفْرَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ مَا أَشْرَكْنَا وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ فَيَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْإِنْكَارِ وَيُنْطِقُ اللَّهُ غَيْرَ لِسَانِهِمْ مِنَ الْجَوَارِحِ فَيَعْتَرِفُونَ بِذُنُوبِهِمْ الثَّانِي: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ [يس:60] لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَوَابٌ فَسَكَتُوا وَخَرِسُوا وَتَكَلَّمَتْ أَعْضَاؤُهُمْ غَيْرَ اللِّسَانِ (رازي)
II. سؤال وجواب
- لما أسند الله الختم إليه والشهادة إلى الأعضاء
هِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْنَدَ فِعْلَ الْخَتْمِ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: نَخْتِمُ وَأَسْنَدَ/ الْكَلَامَ وَالشَّهَادَةَ إِلَى الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ تَعَالَى: نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ يَكُونُ فِيهِ احْتِمَالُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ جَبْرًا وَقَهْرًا وَالْإِقْرَارُ بِالْإِجْبَارِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَقَالَ تَعَالَى: وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ أَيْ بِاخْتِيَارِهَا بعد ما يُقْدِرُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكَلَامِ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى صُدُورِ الذَّنْبِ مِنْهُ (رازي)
- لما ذا جعل الكلام للأيدي والشهادة للأرجل؟
مِنْهَا هِيَ أن الله تعالى قال:تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ جَعَلَ الشَّهَادَةَ لِلْأَرْجُلِ وَالْكَلَامَ لِلْأَيْدِي لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تُسْنَدُ إِلَى الْأَيْدِي قَالَ تَعَالَى: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ [يس: 35] أَيْ مَا عَمِلُوهُ وَقَالَ: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ [الْبَقَرَةِ: 195] أَيْ وَلَا تُلْقُوا بِأَنْفُسِكُمْ فَإِذًا الْأَيْدِي كَالْعَامِلَةِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى الْعَامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ فَجَعَلَ الْأَرْجُلَ وَالْجُلُودَ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهُودِ لِبُعْدِ إِضَافَةِ الْأَفْعَالِ إِلَيْهَا (رازي)
- لماذ الختم على أفواه الكفار؟
الْخَتْمُ لَازِمٌ الْكُفَّارَ فِي الدُّنْيَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَفِي الْآخِرَةِ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَفِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الْخَتْمُ عَلَى قُلُوبِهِمْ كَانَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ [التَّوْبَةِ: 30] فَلَمَّا خُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ أَيْضًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ بِأَعْضَائِهِمْ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْأَعْضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ الْقَلْبُ وَالْفَمُ تَعَيَّنَ الجوارح والأركان (رازي)
ثُمَّ قِيلَ فِي سَبَبِ الْخَتْمِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لِأَنَّهُمْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ” [الأنعام: 23] فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ حَتَّى نَطَقَتْ جَوَارِحُهُمْ، قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. الثَّانِي: لِيَعْرِفَهُمْ أَهْلُ الْمَوْقِفِ فَيَتَمَيَّزُونَ مِنْهُمْ، قَالَهُ ابْنُ زِيَادٍ. الثَّالِثُ: لِأَنَّ إِقْرَارَ غَيْرِ النَّاطِقِ أَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ مِنْ إِقْرَارِ النَّاطِقِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْإِعْجَازِ، إِنْ كَانَ يَوْمًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعْجَازٍ. الرَّابِعُ: لِيَعْلَمَ أَنَّ أَعْضَاءَهُ الَّتِي كَانَتْ أَعْوَانًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَارَتْ عَلَيْهِ شُهُودًا فِي حَقِّ رَبِّهِ (قرطبي)
- شرح قوله تعالى وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ الخ
قَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْوُسْطَى، وَاللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْمُجَبِّرَةُ ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ وَبِالْعَكْسِ، وهاهنا/ كَذَلِكَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [يس: 65] وقال: اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [يس: 64] وَكَانَ ذَلِكَ مُتَمَسَّكَ الْقَدَرِيَّةِ حَيْثُ أَسْنَدَ اللَّهُ الْكُفْرَ وَالْكَسْبَ إِلَيْهِمْ وَأَحَالَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ عَلَيْهِمْ، ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ وَكَسْبَهُمْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُعْمِي الْبَصِيرَةَ وَيُضْعِفُ الْقُوَّةَ الْعَقْلِيَّةَ، وَعَمَى الْبَصِيرَةِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ، إِذَا شَاءَ أَعْمَى الْبَصَائِرَ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمُ الْمُبْصِرَةِ، وَسَلَبَ الْقُوَّةَ الْعَقْلِيَّةَ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ، كَمَا أَنَّ سَلْبَ الْقُوَّةِ الْجِسْمِيَّةِ بِمَشِيئَتِهِ، حَتَّى لَوْ شَاءَ لَمَسَخَ الْمُكَلَّفَ عَلَى مَكَانَتِهِ وَأَقَامَهُ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُضِيِّ وَالرُّجُوعِ، فَإِعْمَاءُ الْبَصَائِرِ عِنْدَهُ كَإِعْمَاءِ الْأَبْصَارِ، وَسَلْبُ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَسَلْبِ الْقُوَّةِ الْجِسْمِيَّةِ (رازي)
خلاصة ما قال الرازي رحمه الله: الله تعالى منحهم (الكفار) البصيرة ولم يستخدموها فسلبها الله وكان من الممكن أن يسلب البصر أيضا ولكنه لم يفعل رحمة بهم وكذلك منحهم الله العقل السليم ولم يستخدموه فسلبه الله وكان من الممكن أن يسلب الجسم أيضا ولكنه لم يفعل رحمة منه ( إضافة عبد الشهيد )
وموقع هاتين الآيَتَين من التي قبلهما أنه لما ذكر الله إلجاءهم إلى الاعتراف بالشرك بعد إنكاره يوم القيامة كان ذلك مثيراً لأن يهجس في نفوس المؤمنين أن يتمنوا لو سلك الله بهم في الدنيا مِثل هذا الإِلجاء فألجأهم إلى الإِقرار بوحدانيته وإلى تصديق رسوله واتباع دينه ، فأفاد الله أنه لو تعلقت إرادته بذلك في الدنيا لفعل ، إيماء إلى أن إرادته تعالى تجري تعلقاتها على وفق علمه تعالى وحكمته . فهو قد جعل نظام الدنيا جارياً على حصول الأشياء عن أسبابها التي وكل الله إليها إنتاج مسبباتها وآثارها وتوالداتِها حتى إذا بَدَّل هذا العالم بعالم الحقيقة أجرى الأمور كلها على المهيع الحق الذي لا ينبغي غيره في مجاري العقل والحكمة . والمعنى أنّا ألجأناهم إلى الإِقرار في الآخرة بأن ما كانوا عليه في الدنيا شرك وباطل ولو نشاء لأريناهم آياتنا في الدنيا ليرتدعوا ويرجعوا عن كفرهم وسوء إنكارهم ولما كانت { لو } تقتضي امتناعاً لامتناع فهي تقتضي معنى : لكنّا لم نشأ ذلك فتركناهم على شأنهم استدراجاً وتمييزاً بين الخبيث والطيّب . فهذا كلام موجه إلى المسلمين ومراد منه تبصرة المؤمنين وإرشادهم إلى الصبر على ما يلاقونه من المشركين حتى يأتي نصر الله (ابن عاشور)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى لَأَعْمَيْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، فَلَا يهتدون أبدا إلى طريق الحق. وقا ل الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: الْمَعْنَى لَتَرَكْنَاهُمْ عُمْيًا يَتَرَدَّدُونَ. فَالْمَعْنَى لَأَعْمَيْنَاهُمْ فَلَا يُبْصِرُونَ طَرِيقًا إِلَى تَصَرُّفِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَا غَيْرِهَا (قرطبي)
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَلَوْ نَشَاءُ لَفَقَأْنَا أَعْيُنَ ضَلَالَتِهِمْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ، وَتَأَوَّلَهَا عَلَى أَنَّهَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَمُدَّ الصِّرَاطُ.، نَادَى مُنَادٍ لِيَقُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ، فَيَقُومُونَ بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ يَتْبَعُونَهُ لِيَجُوزُوا الصِّرَاطَ، فَإِذَا صَارُوا عَلَيْهِ طَمَسَ اللَّهُ أَعْيُنَ فُجَّارِهِمْ، فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَمِنْ أَيْنَ يُبْصِرُونَهُ حَتَّى يُجَاوِزُوهُ (قرطبي)
- مناسبة لمسخناهم
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْأَعْمَى قَدْ يَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيقِ بأمارات عقلية أَوْ حِسِّيَّةٍ غَيْرِ حِسِّ الْبَصَرِ كَالْأَصْوَاتِ وَالْمَشْيِ بِحِسِّ اللَّمْسِ، فَارْتَقَى وَقَالَ: فَلَوْ مَسَخَهُمْ وَسَلَبَ قُوَّتَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الصِّرَاطِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ (رازي)
- تقديم المضي على الرجوع
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَدَّمَ الْمُضِيَّ عَلَى الرُّجُوعِ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ أَهْوَنُ مِنَ الْمُضِيِّ، لِأَنَّ الْمُضِيَّ لَا يُنْبِئُ عَنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ مِنْ قَبْلُ، وَأَمَّا الرُّجُوعُ فَيُنْبِئُ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ سُلُوكَ طَرِيقٍ قَدْ رُؤِيَ مَرَّةً أَهْوَنُ من سلوك طريق لم ير فقال: لا يستطيعون مضيا وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الرُّجُوعُ الَّذِي هو أهون من المضي. (رازي)
- مناسبة وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68)
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ [يس: 60] قَطْعٌ لِلْأَعْذَارِ بِسَبْقِ الْإِنْذَارِ، ثُمَّ لَمَّا قَرَّرَ ذَلِكَ/ وَأَتَمَّهُ شَرَعَ فِي قَطْعِ عُذْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لُبْثُنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا يَسِيرًا، وَلَوْ عَمَّرْتَنَا لَمَا وَجَدْتَ مِنَّا تَقْصِيرًا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَلَا تعقلون إِنَّكُمْ كُلَّمَا دَخَلْتُمْ فِي السِّنِّ ضَعُفْتُمْ وَقَدْ عَمَّرْنَاكُمْ مِقْدَارَ مَا تَتَمَكَّنُونَ مِنَ الْبَحْثِ وَالْإِدْرَاكِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فَاطِرٍ: 37] ثُمَّ إِنَّكُمْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الزَّمَانَ كُلَّمَا يَعْبُرُ عَلَيْكُمْ يَزْدَادُ ضَعْفُكُمْ فَضَيَّعْتُمْ زَمَانَ الْإِمْكَانِ، فَلَوْ عَمَّرْنَاكُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ بَعْدَهُ زَمَانُ الْإِزْمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ زَمَانَ الْإِمْكَانِ مَا كَانَ يَأْتِي به زمان الإزمان (رازي)
مِنْ نَكَسْتُ الشَّيْءَ أَنْكُسُهُ نَكْسًا قَلَبْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ فَانْتَكَسَ. قَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى حَالِ الْهَرَمِ الَّذِي يُشْبِهُ حَالَ الصِّبَا….. فَطُولَ الْعُمُرِ يُصَيِّرُ الشَّبَابَ هَرَمًا، وَالْقُوَّةَ ضَعْفًا، وَالزِّيَادَةَ نَقْصًا، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ (قرطبي)
- وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)
فِي التَّرْتِيبِ وَجْهَانِ، قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ أَصْلَيْنِ مِنَ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَالرِّسَالَةُ وَالْحَشْرُ، ذَكَرَ الْأَصْلَ الثَّالِثَ مِنْهَا، وهاهنا ذَكَرَ الْأَصْلَيْنِ الْوَحْدَانِيَّةَ وَالْحَشْرَ، أَمَّا الْوَحْدَانِيَّةُ فَفِي قوله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [يس: 60] وَفِي قَوْلِهِ: وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس: 61] وَأَمَّا الْحَشْرُ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اصْلَوْهَا الْيَوْمَ [يس: 64] وفي قوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ [يس: 65] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمَّا ذَكَرَهُمَا وَبَيَّنَهُمَا ذَكَرَ الْأَصْلَ الثَّالِثَ وَهُوَ الرِّسَالَةُ فَقَالَ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ وَقَوْلُهُ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مُعَلَّمٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ مَا أَرَادَ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ مَا لَمْ يُرِدْ (رازي)
- لما ذا خص الشعر بنفي التعليم؟
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: خُصَّ الشِّعْرُ بِنَفْيِ التَّعْلِيمِ، مَعَ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَنْسُبُونَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا السِّحْرُ، وَلَمْ يَقُلْ وَمَا عَلَّمْنَاهُ السِّحْرَ وَكَذَلِكَ كَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَى الْكِهَانَةِ، وَلَمْ يَقُلْ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الْكِهَانَةَ، فَنَقُولُ أَمَّا الْكِهَانَةُ فَكَانُوا يَنْسُبُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم إليها عند ما كَانَ يُخْبِرُ عَنِ الْغُيُوبِ وَيَكُونُ كَمَا يَقُولُ. وأما السحر فكانوا ينسبونه إليه عند ما كَانَ يَفْعَلُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْغَيْرُ كَشَقِّ الْقَمَرِ وَتَكَلُّمِ الْحَصَى وَالْجِذْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وأما الشعر فكانوا ينسبونه إليه عند ما كَانَ يَتْلُو الْقُرْآنَ عَلَيْهِمْ لَكِنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم مَا كَانَ يَتَحَدَّى إِلَّا بِالْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَةِ: 23] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ رِسَالَتِي فَأَنْطِقُوا الْجُذُوعَ أَوْ أَشْبِعُوا الْخَلْقَ الْعَظِيمَ أَوْ أَخْبِرُوا بِالْغُيُوبِ، فلما كان تحديه صلى الله عليه وآله وسلم بِالْكَلَامِ وَكَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَى الشِّعْرِ عِنْدَ الْكَلَامِ خُصَّ الشِّعْرُ بِنَفْيِ التَّعْلِيمِ (رازي)
- معنى وما ينبغي له
وَفِيهِ وَجْهٌ أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ مَا يَنْبَغِي لَهُ عَلَى مَفْهُومِهِ الظَّاهِرِ وَهُوَ أَنَّ الشِّعْرَ مَا كَانَ يَلِيقُ بِهِ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّعْرَ يَدْعُو إِلَى تَغْيِيرِ/ الْمَعْنَى لِمُرَاعَاةِ اللَّفْظِ وَالْوَزْنِ، فَالشَّارِعُ يَكُونُ اللَّفْظُ مِنْهُ تَبَعًا لِلْمَعْنَى، وَالشَّاعِرُ يَكُونُ الْمَعْنَى منه تبعا للفظ، لأنه يَقْصِدُ لَفْظًا بِهِ يَصِحُّ وَزْنُ الشِّعْرِ أَوْ قَافِيَتُهُ فَيُحْتَاجُ إِلَى التَّحَيُّلِ لِمَعْنًى يَأْتِي بِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: الشِّعْرُ هُوَ الْكَلَامُ الْمَوْزُونُ الَّذِي قُصِدَ إِلَى وَزْنِهِ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَأَمَّا مَنْ يَقْصِدُ الْمَعْنَى فَيَصْدُرُ مَوْزُونًا مُقَفًّى فَلَا يَكُونُ شَاعِرًا، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلُهُ تَعَالَى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آلِ عِمْرَانَ: 92] لَيْسَ بِشِعْرٍ، وَالشَّاعِرُ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ كَلَامٌ فِيهِ مُتَحَرِّكَاتٌ وَسَاكِنَاتٌ بِعَدَدِ مَا فِي الْآيَةِ تَقْطِيعُهُ بِفَاعِلَاتُنْ فَاعِلَاتُنْ يَكُونُ شِعْرًا لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِتْيَانَ بِأَلْفَاظٍ حُرُوفُهَا مُتَحَرِّكَةٌ وَسَاكِنَةٌ كَذَلِكَ وَالْمَعْنَى تَبِعَهُ، وَالْحَكِيمُ قَصَدَ الْمَعْنَى فَجَاءَ عَلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ (رازي)
- ما ذا عن شعر النبي صلى الله عليه وسلم أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ … أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ؟
عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَرَ بَيْتَ شِعْرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ … أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
أَوْ بَيْتَيْنِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِعْرٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إِلَى الْوَزْنِ وَالْقَافِيَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَدَرَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كَلَامٌ كَثِيرٌ مَوْزُونٌ مُقَفًّى لَا يَكُونُ شِعْرًا، لِعَدَمِ قَصْدِهِ اللَّفْظَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّكَ إِذَا تَتَبَّعْتَ كَلَامَ النَّاسِ فِي الْأَسْوَاقِ تَجِدُ فِيهِ مَا يَكُونُ مَوْزُونًا وَاقِعًا فِي بَحْرٍ مِنْ بُحُورِ الشِّعْرِ وَلَا يُسَمَّى الْمُتَكَلِّمُ بِهِ شَاعِرًا وَلَا الْكَلَامُ شِعْرًا لِفَقْدِ الْقَصْدِ إِلَى اللَّفْظِ أَوَّلًا، ثُمَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ يُحَقِّقُ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْ هُوَ ذِكْرٌ وَمَوْعِظَةٌ لِلْقَصْدِ إِلَى الْمَعْنَى، وَالشِّعْرُ لَفْظٌ مُزَخْرَفٌ بِالْقَافِيَةِ والوزن (رازي)
- معنى «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً»
يَعْنِي قَدْ يَقْصِدُ الشَّاعِرُ اللَّفْظَ فَيُوَافِقُهُ مَعْنًى حِكَمِيٌّ كَمَا أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يَقْصِدُ مَعْنًى فَيُوَافِقُهُ وَزْنٌ شِعْرِيٌّ، لَكِنَّ الْحَكِيمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْوَزْنِ لَا يَصِيرُ شَاعِرًا وَالشَّاعِرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الذِّكْرِ يَصِيرُ حَكِيمًا حَيْثُ سَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم شِعْرَهَ حِكْمَةً، وَنَفَى اللَّهُ كَوْنَ النَّبِيِّ شَاعِرًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ قَالَبُ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَى قَلْبُ اللَّفْظِ وَرُوحُهُ فَإِذَا وُجِدَ الْقَلْبُ لَا نَظَرَ إِلَى الْقَالَبِ، فَيَكُونُ الْحَكِيمُ الْمَوْزُونُ كَلَامُهُ حَكِيمًا، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنِ الْحِكْمَةِ وَزْنُ كَلَامِهِ، والشاعر الموعظ كلامه حكيما. (رازي)
- شرح لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70)
لِيُنْذِرَ وَقَوْلُهُ: مَنْ كانَ حَيًّا أَيْ مَنْ/ كَانَ حَيَّ الْقَلْبِ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ حَيًّا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَيُنْذِرُهُ بِهِ فَيُؤْمِنُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لِيُنْذِرَ بِهِ مَنْ كَانَ حَيًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَيْ مَنْ آمَنَ فَيَنْذُرُهُ بِمَا عَلَى الْمَعَاصِي مِنَ الْعِقَابِ وَبِمَا عَلَى الطَّاعَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ أَمَّا قول العذاب وكلمته كما قال تعالى وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السَّجْدَةِ: 13] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ [الزُّمَرِ: 71] وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الْإِسْرَاءِ: 15] فَإِذَا جَاءَ حَقَّ التَّعْذِيبُ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ التَّكْذِيبُ (رازي)
وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب ، مستنير البصيرة ، كما قال قتادة : حي القلب ، حي البصر . وقال الضحاك : يعني : عاقلا ( ويحق القول على الكافرين ) أي : هو رحمة للمؤمن ، وحجة على الكافر . (ابن كثير)
I. الدروس المستفادة :
- في يوم القيامة، ينكر الكافر أخطائه، فيأتي الله بشهود من جوارحه تشهد عليه بما فعل.
- يجب علينا أن نستخدم ألسنتنا، وأيدينا، وسائر جوارحنا في طاعة الله وعبادته لأن الله والملائكة والزمان والمكان والأعضاء نفسها شهود يوم القيمة
- إن الله قادر على أن يسلب نعمة البصر وسائر النعم الجسدية من الإنسان، لكنه برحمته العظيمة، لا يفعل ذلك ، فليذكر العبد نعمة الله عليه
- فلينظر الإنسان كيف يتحول الطفل إلى شيخ، وكيف يعود الشيخ إلى ضعف الطفولة حتى يتيقن بأن الله قادر على طمس الأعضاء ومسخها
- لا تؤجل عملك ولا تنتظر إلى أن تصبح عجوزا لأنه لا تستطيع حينئذ القيام بالعمل الصالح كما كنت قادرا في شبابك
- عدم إجادة النبي للشعر كان فضلًا من الله، ليبعد عنه تهمة أعدائه بأنه شاعر.
- النبي ولو لم يكن شاعرا فقد شجع المادحين الشاعرين الذين دافعوا عن الإسلام ومدحوا النبي صلى الله عليه وسلم.
- يجب علينا تجنب الغناء المحرم الذي يتضمن على الموسيقي.
- ينبغي أن يكون القلب حيًا يقظًا لتتمكن من الاستفادة من القرآن الكريم ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
II. للاستزادة: الشهود على الإنسان يوم القيمة
الكافر لا يقبل إلا شهادة نفسه : فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ – قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ- مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ قَالَ: يَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي قَالَ فَيَقُولُ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا قَالَ فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ انْطِقِي قَالَ فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ”
الله شهيدٌ على عبادهِ : قال جلَّ وعلا (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ((النساء:33
يشهد كل رسول على أمته البلاغ والنبي على جميع الأنبياء : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) [النساء: 41].
أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-تشهد للرسل بالبلاغ يوم يقول القوم ما جاءنا من نذير: ، روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يُدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول الله: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلّغ، ويكون الرسول عليكم شهيدًا، فذلك قوله جل ذكره: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143].
ملائكة الرحمن : وقال تعالى: (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق: 21]. قال ابن كثير -رحمه الله-: أي ملك يسوقها إلى المحشر وملك يشهد عليها بأعمالها. (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار:10-12 إقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}
الأرض: ومنَ الشُّهودِ يَومَ القيامةِ: الأرضُ قال تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة: 1-5] . أتدرون ما أخبارها ” قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال ” فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمه بما عمل على ظهرها ، تقول : عملت كذا وكذا يوم كذا كذا ، فهذه أخبارها ” رواه الترمذي
موضع الصلاة : (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ، يَعْنِي : السُّبْحَةَ) أي : صلاة النافلة بعد الفريضة . – ابن ماجه نكتب ما قدموا وآثاركم – (دِيَارَكُم تُكْتَبُ آثَارُكُم)،
الزمان : اليومُ الموعودُ _( أي: المذكورُ في قولِه تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 2- 3])يومُ القيامةِ ، واليومُ المشهودُ يومُ عرفةَ ، والشاهدُ يومُ الجُمُعةِ ، وما طَلَعَتِ الشمسُ ولا غَرَبَتْ ، على يومٍ أفضلَ منه ، فيه ساعةٌ لا يوافقُها عبدٌ مسلمٌ يَدْعُو اللهَ بخيرٍ إلا استجاب اللهُ له ، ولا يستعيذُ من شرٍّ إلا أعاذه اللهُ منه (ترمذي) ويقولُ الحسنُ البصريُّ (رحمَهُ اللهُ): مَا مِن يومٍ ينشقُّ فجرُهُ إلَّا ويُنَادِي: يا ابنَ آدمَ أنَا يومٌ جديدٌ، وعلى عملِكَ شهيدٌ، فاغتنمنِي فإنِّي لا أعودُ إلى يومِ القيامةِ.
الحجر الأسود : ليبعثَنَّ اللهُ الحجرَ يومَ القيامةِ ولهُ عينانِ يُبصرُ بهما ولسانٌ ينطقُ بهِ يشهدُ بهِ على من استلمَهُ بحقٍ (ترمذي)
السمع والبصر والجلود : قال اللهُ تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 21 – 23] .
اللسان واليد والرجل : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : 24]
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا تقلْ ** خلوتُ ولكنْ قُلْ علىَّ رقيبُ
ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعةً ** ولا أنَّ ما تُخفي عليه يغيبُ
ألم ترَ أنَّ اليومَ أسرعُ ذاهبًا *** وأنَّ غدًا للناظرينَ قريبُ
الذي سمع صوت المؤذن: إنِّي أراكَ تُحِبُّ الغنمَ والباديةَ ، فإذا كنتَ في غَنَمِك ، أو باديتِك ، فأذَّنتَ بالصَّلاةِ ، فارفَع صوتَك ، فإنَّهُ لا يسمَعُ مدى صوتِ المؤذِّنِ جنٌّ ولا إنسٌ ، ولا شيءٌ ، إلَّا شَهدَ لَه يومَ القيامَة (النسائي) –